هل اسفي مدينة ملوثة؟

أسفي كود10 يناير 2018آخر تحديث : الخميس 11 يناير 2018 - 11:19 مساءً
أسفي كود
تقارير وحوارات
هل اسفي مدينة ملوثة؟

كانت اسفي تعتبر مدينة صناعية بامتياز، حيث كانت مقرا لأهم مصانع التصبير في المغرب وذلك بالموازاة مع مينائها الذي كان زاخرا بمختلف أنواع الأسماك خاصة السردين الذي يعد من الأنواع الغنية جدا بأهم العناصر الغذائية. حتى أن هذا الميناء احتل في فترة من الفترات المرتبة الأولى عالميا في إنتاج هذا النوع. غيران كل ذلك أصبح في خبر الماضي ، وتراجع إنتاج ميناء المدينة وتراجعت معه المصانع الضخمة التي كانت تشغل عددا هائلا من الساكنة وتساهم يذلك في الرواج الاقتصادي للإقليم ككل. ولعل أهم أسباب هذا التراجع يتمثل في عامل التلوث – حسب اغلب المصادر المهتمة- .

وموضوع تلوث المدينة هذا مثار جدل كبير بين رأيين متعارضين : يرى احدهما أن اسفي بلغت درجة من التلوث لم يعد من الممكن السكوت عنها . بينما الرأي الآخر يطالب بتجنب هدا الموضوع لأنه مصدر الأزمة الاقتصادية للمدينة . فما حجج كلا الفريقين؟

 الرأي القائل بارتفاع نسبة التلوث بمدينة اسفي.

إن اللذين يدقون نواقيس الخطر ، يرون أن مدينة اسفي بلغت حدا من التلوث أصبح يهدد وجود الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان.ويحددون مصادر هذا التلوث في كالأتي :

  • النفايات الحضرية الصلبة : ويبلغ مقدارها 150 طنا من الازبال { إضافة إلى 150 مليون لتر من المياه المستعملة منزليا سنويا}*2. يتم جمع جزء منها فقط بطرق شبه تقليدية ورميها على مقربة من المدينة . في مكان غير مؤهل لذلك ولا مراقب . بحيث يمكن ملاحظة الماشية وهي ترعى قرب النفايات الطبية.
  • صناعة المصبرات :{ والتي عرفت تراجعا ملحوظا } تطرح مباشرة في البحر بكميات كبيرة المواد العضوية. وهي عبارة عن بقايا اسماك وخضراوات تضر بالوسط البحري الساحلي. بسبب استهلاك الأكسجين خلال عملية تحليل هده المواد .
  • نشاط الميناء من خلال عمليات الشحن والتفريغ . وغسل المراكب وتجهيزات الميناء.وتغيير زيت المحركات تتسرب معادن ومشتقات بترولية إلى أحواض الميناء ومنها إلى  المناطق المجاورة كشاطىء المدينة.
  • صناعة الخزف : رغم طابعها التقليدي ، هذه الصناعة تعتبر من مصادر التلوث باسفي بسبب ما يتسرب منها من مواد سامة تستعمل في صباغة المنتوجات الخزفية. وكذلك ما تطرحه من ثاني أكسيد الكربون بواسطة أفرانها المنتشرة خاصة شمال المدينة.
  • مقالع الرمال : بسبب الطلب المتزايد على الرمل ، أصبح استغلال المقالع يتم بشكل عشوائي ومفرط. يساهم في الإضرار بالبيئة البحرية.
  • الصيد البحري : إن ازدياد عدد مراكب الصيد بساحل اسفي ، وغياب الفترة البيولوجية تعد من أسباب تراجع   الثروات السمكية بالمدينة.
  • حركة السير والمحطة الطريقة : حيث إن سوء التدبير هو الذي أدى إلى إنشاء محطة طرقية وسط المدينة بمحاذاة المستشفى الإقليمي.بحيث محركات الحافلات التي جلها مهترئة لا تكف ليل نهار عن طرح أدخنتها الملوثة.

كل هذه عوامل تساهم في تلويث مدينة اسفي ، غير أن أصابع الاتهام تتجه في الغالب اتجاها واحدا وأساسيا: المركب الكيماوي بمصانعه الثلاث. فمند أن حط رحاله بالمدينة ، والتذمر والاستياء يعتري الشارع المسفيوي. الذي يحمله مسؤولية أي مشكلة وكل مشكلة تمس البيئة. ابتداء من هجرة السردين إلى الأمراض التنفسية والجلدية. فما تفسير ذلك ؟

إن المركب الكيماوي يصدر غازات تنعت بالخانقة. ومن بين أهم الغازات الملوثة لأجواء مدينة اسفي : أول وثاني أكسيد الكربون ، أول وثاني أكسيد الكبريت، ثالث أكسيد الكبريت   أكسيد الازوت ، الهيدروكاربونات، الرصاص وغاز الفلور*3. ويبقى كل من الغاز الفلوري والغاز الكبريتي اللذان تطرحهما مداخن المركب الكيماوي اخطر هته المواد. حيث تتعرض لتفاعلات كيميائية عند امتزاجها بالماء.لذلك فالتساقطات المطرية الأولى التي تشهدها المدينة تكون عبارة عن أمطار حمضية ، لها انعكاسات بيئية خطيرة على التربة  والغطاء النباتي ، وكذا على مهاجمة الصخر.. كما أن تركز اكاسيد الازوت بنسبة عالية في الجو ، واختلاطها بدخان الصناعات الكيماوية يؤدي الى حدوث ضباب دخاني يعرف”بالضبخان. SMOG “. *4حيث تتسبب كثافته في ضعف الرؤيا والتهاب العين والأنف . كما قد يؤدي إلى الاختناق بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي.  إضافة إلى الأضرار ببعض المنتوجات الغذائية ، كفواكه البحر مثلا والتي تعرف بقابليتها الكبيرة لامتصاص الملوثات . وفي هذا الإطار تم منع- خلال صيف 2005- تناول المحار المستجلب من منطقة البدوزة ، حيث أثبتت التحاليل المجراة عليه انه يتوفر على نسبة عالية من مادة البيوتوكسي*5السامة. وللعلم تعد هته المنطقة من أهم المزودات بالمحار على المستوى الوطني.

يلاحظ إذا أن  الصناعات الكيماوية باسفي إحدى أهم المصادر المغذية للتلوث الجوي وحتى البحري و النباتي.و تتمركز مجمل المشاكل البيئية بالمنطقة الجنوبية التي  تعرف استقرار أهم الوحدات الصناعية على طول الطريق الساحلي.

إذا كانت هذه دفوعات الجبهة الأولى ،فما موقف الرأي المعارض  ؟

الرأي الذي يرى تهويلا في موضوع تلوث اسفي.

ترى هذه الفئة ، إن مظاهر التلوث بالمدينة هي مثلها في كل المدن الصناعية ، وأنها لا تصل الحجم ” المروج ” عنها. إذ لا تصل مستوى مدن أخرى كالدار البيضاء مثلا.وبخصوص المركب الكيماوي ، يؤكدون أن ما تصبه معامله ليس نفايات كيماوية بل مجرد سوائل لتبريد محركاتها . وان ضررها لا يتعدى بضع كلمترات مربعة.كما يحتمون في الجانب الاقتصادي ليشيروا إلى كون المركب الكيماوي يوفر 3600 منصب شغل ، وعائداته السنوية تناهز 4 ملايير درهم . كما يؤدي المكتب الشريف للفوسفاط محليا 70 مليون درهما عبارة عن رسومات محلية وضرائب مباشرة.*6

كما أنهم يحصرون خطا هذا المركب في كونه لم يعمل مند البداية على إنشاء ميناء خاص به بعيدا عن المدينة. ثم إلى ضعف في السياسة التواصلية لإدارته. اذ يرفض فتح أبوابه لأي منبر إعلامي أو جمعية أيا كان نوعها. كما يقوم بالتعتيم على أي دراسة علمية تخص الحالة البيئية الحقيقة للمدينة ، فتبقى رهينة رفوفه.باستثناء بعض المحاولات الخجولة للتلميع سمعته ،  كالمساهمة في أنشطة رياضية أو في حملات لتنظيف الشواطئ مثلا .في هذا السياق يحضرني تعليق احد المسؤولين الجماعيين الذي قال :” يبدو أن المركب الكيماوي لاسفي أصبح مركبا نفسيا وعقدة بسيكولوجية لدى ساكنتها”.*7

إن دعاة هدا الرأي لديهم رغبة في محو السمعة السيئة التي لصقت بالمدينة ، وكانت السبب دائما في هروب المستثمرين والمنعشين السياحيين منها رغم كل المجهودات.

وفي غياب دراسات علمية دقيقة ، لا يمكننا الانحياز لأحد الرأيين . غير أن هناك خلاصات تفرض نفسها : كون تلوث البيئة هو نتيجة حتمية لتجمعنا كحاضرة لها ضروراتها وعاداتها الاستهلاكية ،وتوجهاتها الصناعية التي أملتها خيارات اقتصادية وطنية. تستفيد منها المدينة دون شك على المستوى الجبائي والاجتماعي، وتتلقى تأثيرها بصفة مباشرة. وهذا الموضوع لم يعد ملكا محليا  حتى يتسنى إخفاؤه أو إشهاره .ودليل ذلك اختيار اسفي بتاريخ 22 فبراير 2000   لاحتضان الورشة الوطنية حول ” البيئة ، محاربة التلوث والاستغلال الأمثل للثروات الجوية “. وكذا تتويج جريدة “الصباح ” بجائزة أحسن تحقيق عن سنة 2003 حول تدهور البيئة باسفي والاحتفاء بذلك في القناة الثانية.

الواقع إذا يفرض نفسه ، وطول النقاش حول حقيقته من عدمها غير ذي جدوى. إنما الأصلح العمل على اتخاذ التدابير التي من شانها التخفيف من حدته على الأقل .على أن يكون دلك في ظل التاطير القانوني والإمكانيات المتاحة، وكذا تبني المقاربة التشاركية بين المجالس المنتخبة وفعاليات المجتمع المدني ومختلف الفاعلين الاقتصاديين.  فقد سن المشرع المغربي سنة 2003 ترسانة قانونية لحماية البيئة الطبيعية  تمثلت في القانون رقم 11.03 الخاص ب”حماية واستصلاح البيئة ” والقانون رقم 12.03 المتعلق ب” دراسة التأثير على البيئة ” وكذلك القانون رقم 13.03 الخاص ب ” مكافحة تأثير الهواء”. وهو بذلك يعتبر منسجما مع مختلف المعاهدات الدولية التي وقعها المغرب بهذا الخصوص. غير أن القوانين تبقى عديمة الفعالية في غياب وعي شامل للمجالس المحلية و المواطنين كذلك ، لان الحفاظ على البيئة هو مسؤولية جماعية .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الأخبار العاجلة