ملف قصر الضيافة ببوسكورة.. انتصار القانون وهيبة الدولة

أسفي كودمنذ 48 دقيقةآخر تحديث : الجمعة 21 نوفمبر 2025 - 4:23 مساءً
أسفي كود
زوومفي الواجهة
ملف قصر الضيافة ببوسكورة.. انتصار القانون وهيبة الدولة

شهد إقليم النواصر حدثا مفصليا أعاد النقاش حول الحكامة العمرانية إلى الواجهة، بعدما أقدمت السلطات الإقليمية على تنفيذ عملية هدم واسعة للبناء المعروف إعلاميا بـ”قصر الضيافة” أو “كرملين بوسكورة“، وهو مشروع ضخم شيد داخل مجال فلاحي لا يتيح “قانونا” أي إمكانية لبناء منشآت سياحية أو فندقية أو قاعات للولائم.

ورغم أن الحادث قد يبدو في ظاهره تدخلا لإزالة بناء غير قانوني، إلا أن أبعاده العميقة تكشف تحولا بنيويا في طريقة تدبير الدولة لملفات التعمير، وتغييرا واضحا في ميزان القوة بين منطق “الرخص الاستثنائية” ومنطق سيادة القانون.

رخصة فلاحية تتحول إلى مشروع ضخم

القضية، كما تكشف المعطيات المتاحة، لا تتعلق فقط ببناء خارج القانون، بل بنموذج صارخ لاستعمال الترخيص الأصلي لأغراض لا تمت بصلة للوظيفة المسموح بها. فقد حصل صاحب المشروع على ترخيص لإنشاء منشأة فلاحية بسيطة تتعلق بالفروسية والإيواء الريفي، قبل أن تتوسع الأشغال لتنتج صرحا مترامي الأطراف باستثمار يناهز 160 مليون درهم، متضمنا فندقا وقاعات ضخمة ومرافق لا يمكن أن تنتمي بأي حال لمجال فلاحي محمي. وهنا يظهر السؤال المركزي، كيف انتقلت رخصة بسيطة إلى مشروع فخم من دون توقيف الأشغال في بداياتها؟ ومن سهل هذا المسار؟

عندما تدخلت السلطات الإقليمية سنة 2022 لسحب الترخيص، كان المشروع قد بلغ مراحل متقدمة من البناء، ورغم منح مهلة لتسوية الوضع، تواصلت الأشغال في تجاهل تام لقرارات الإدارة. هذا المعطى وحده يعكس خللاً عميقاً في علاقة بعض المستثمرين بالمنظومة القانونية. فقد اعتاد البعض، لسنوات، التعامل مع قرارات التوقيف كإجراءات شكلية قابلة للتجاوز، مستندين إلى تصورات قديمة تعتبر أن العلاقات والنفوذ قادران على تجاوز منطق القانون. غير أن ما حدث في بوسكورة يبرهن على أن هذه الذهنية لم تعد قابلة للاستمرار.

الهدم.. من قرار إداري إلى تحول مؤسساتي

عملية الهدم التي قادتها سلطات إقليم النواصر لم تكن مجرد تنفيذ لقرار إداري، بل كانت جزءا من مقاربة أشمل لتطهير المجال الترابي من المخالفات العمرانية التي كانت تبنى تحت مظلة “التساهل” أو “المجاملة” أو “التقدير السياسي”.

فقد رافقت العملية إجراءات موازية تمثلت في تعليق رئيس جماعة بوسكورة وثلاثة منتخبين آخرين، بعد رصد اختلالات خطيرة في منح الرخص وتدبير الموارد، وهو ما يعكس انتقال الدولة من منطق “المعالجة الظرفية” إلى منطق “المحاسبة الهيكلية”.

ومن الناحية الرمزية، فإن هدم مشروع قيمته الاستثمارية ضخمة يحمل رسالة سياسية واضحة، المغرب يحمي الاستثمار، لكنه لم يعد يقبل الاستثمار الخارج عن الشرعية. فالمؤسسات لم تعد تنحني لحجم الرساميل أو للأسماء الثقيلة، بل صارت تضع القانون فوق الجميع، باعتباره الإطار الوحيد الذي يضمن العدالة العمرانية ويحمي المجال البيئي ويصون التوازنات الترابية.

وهذا التوجه يتماشى مع التحولات التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، سواء من خلال تعزيز دور الوكالات الحضرية، أو تشديد الرقابة على المنتخبين، أو تفعيل مقتضيات قانون التعمير 66.12 الذي ألغى عملياً الكثير من الثغرات التي كانت تسمح بتوسيع المشاريع خارج نطاقها الحقيقي.

إعادة ترتيب علاقة الدولة بالمستثمرين والمنتخبين

على الجانب الآخر، برهن هذا الملف على أن الدولة بصدد إعادة بناء علاقتها مع المواطن والمستثمر على أساس الثقة والوضوح، بحيث لم تعد الرخص الاستثنائية وسيلة للالتفاف على المساطر، ولا تمنح المجالات الترابية كمساحات مفتوحة للمضاربة. وبذلك يعيد هذا الحدث ترتيب العلاقة بين السلطة التنفيذية والمنتخبين والمستثمرين، واضعا جميع الأطراف أمام قاعدة واحدة، احترام القانون شرط أساسي للممارسة، وليس خيارا تفاوضيا.

وفي خضم هذا السياق، تبدو عملية الهدم رسالة مزدوجة: أولا إلى المستثمرين بأن الاستثمار الحقيقي هو الذي يبنى داخل الإطار القانوني، وثانيا إلى المنتخبين بأن توقيع الرخص مسؤولية ثقيلة لا يمكن تحويلها إلى امتياز أو وسيلة نفوذ. وبين الرسالتين ينتصر مبدأ أساسي، المغاربة سواسية أمام القانون، ولا حصانة لأي شخص حين يتعلق الأمر بالتعمير وحماية المجال.

“كرملين بوسكورة”.. من مخالفة عمرانية إلى درس وطني

وهكذا، لم يكن “كرملين بوسكورة” مجرد بناء غير قانوني، بل كان اختبارا لمدى قدرة مؤسسات الدولة على فرض هيبتها. وقد نجحت سلطات إقليم النواصر في تحويل هذا الملف من موضوع محلي إلى درس وطني، مفاده أن الزمن الذي تدار فيه الملفات العمرانية بمنطق الانتقائية قد انتهى، وأن المغرب يتحرك بثبات نحو نظام عمراني أكثر شفافية وعدالة ومسؤولية.

المصدر غيثة بن سالم عن موقع أش نيوز

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الأخبار العاجلة