لكبير الداديسي يكتب: المسألة الثقافية والنموذج التنموي. هل فعلا تم هميش الثقافة ودور المثقف ؟

أسفي كود28 مايو 2021آخر تحديث : الجمعة 28 مايو 2021 - 3:55 مساءً
أسفي كود
ثقافة وفنونفي الواجهة
لكبير الداديسي يكتب: المسألة الثقافية والنموذج التنموي. هل فعلا تم هميش الثقافة ودور المثقف ؟

 ظلت العيون متطلعة، والأعناق مشرئبة تنظر معالم المشروع التنموي الجديد بعد سلسلة مشاورات مراطونية مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين الأفراد منهم والمؤسسات. وأخيرا نشر تقرير عام عن هذا النموذج تحت عنوان يبدو أنه يلخص كل شيء (النموذج التنموي الجديد تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع) في 152 صفحة.

وبما أن كل مشروع يرتكز في الغالب على أربعة جوانب أساسية هي الاقتصادي، السياسي الاجتماعي، والثقافي، ونظرا لصعوبة الوقوف عند تفاصيل كل هذه الجوانب في هذا المشروع سنقتصر في إطلالة سريعة على الجانب الثقافي في المشروع …

مقاربة معجمية أولية تبين أن كلمة ثقافي وثقافة كانت أقل حضورا من كلمات  المجالات الأخرى فقد حضر في المشروع لفظ “اقتصاد/اقتصادي” 320 مرة، وكلمة الاجتماعي 260، وكلمة سياسة/ سياسي 168 مرة، فيما لم يتردد لفظ ثقافة/ثقافي إلا 55 مرة مع غياب لفظ “مثقف”  نهائيا في المشروع، كما يغيب مصطلح  الثقافة في الديباجة وفي الفهرسة،  ويبدو غريبا غيابه عن عناوين المحاور الاستراتيجية للتحول الأربعة وهي

  1. المحورالأول:اقتصادمنتجومتنوعقادرعلىخلققيمةمضافةومناصبشغلذاتجودة
  2. المحورالثاني: رأسمالبشريمعززوأكثراستعداداللمستقبل
  3. المحورالثالث:فرصلإدماجالجميعوتوطيدالرابطالاجتماع
  4. المحورالرابع: مجالاتترابيةقادرةعلىالتكيف : فضاءاتلترسيخأسسالتنمية

وعن عناوين رافعات التغيير وهي

 I. الأوراشالتحوليةلإطلاقالنموذجالتنمويالجديد ..

1.الرقميات.

  1. – الجهازالإداري.
  2. – تمويلالنموذجالتنمويالجديد.
  3. – مغاربةالعالم
  4. – الشراكاتالدوليةللمغرب.

II . الميثاقالوطنيمنأجلالتنمية

ولم تحظر كلمة ثقافة إلا في الصفحة 21 وحتى في محور التشخيص وضمن الإطار رقم 3 أشار التقرير إلى الدينامية الإصلاحية ومدى مساهمتها (في إذكاء عملية التنمية بالمملكة خلال عقد 2000 إذ (تم التركيز على الصعيد  السياسي ، الاقتصاي، الاجتماعي ، التنمية المستدامة، تنمية المجالات الترابية، المستوى المجتمعي ) وتم تغييب الاهتمام بالجانب الثقافي، وإذا كان المثقفون المغاربة يجمعون على أن أزمة المغرب “أزمة ثقافية بالأساس” فإن المشروع  حدد ملامح الأزمة المغربية في التمهيد وقال (لقدأبانالمغربعنفهمعميقللأزمةالحالية،باعتبارها ليستمجردأزمةعابرة،بللكونهاتؤشرعلىتحولاتهيكليةعميقةلهاانعكاساتعلىكافة المستوياتالترابيةومجالاتالسيادةالوطنيةعلىالمستوىالاقتصادي،الغذائي،الطاقيأوالرقمي.) مغيبا الجانب الثقافي،  كما أن المعاهد الثقافية المستشهد بها يبدو تأثيرها الثقافي على أرض الواقع طفيفا ك (معهد ” Connect Institute ” هومثاللموقعآخرللثقافة) ص 110 ومركز ماهر  (يمتـد مسـار التكويـن علـى مـدى عشـرة أشـهر ويركـز علـى الثقافـة والتواصـل والبحـث وتنميـة التفكيـر النقـدي مـن أجـل إطـاق عمليـة التغييـر وقيادتهـا. ويجمـع التكويـن بيــن الجوانــب النظريــة والعمــل الميدانــي وتدبيــر المشــاريع المبتكــرة)

هذه المؤشرات وغيرها تسمح بالأسئلة التالية ألا توحي هذه المؤشرات الأولى بتهميش الجانب الثقافي في المشروع التنموي؟ ألا يقلل المشروع من الثقافة عندما لا يخصها ببند في المحاور الاستراتيجة؟ ولا يراها رافعة للتغيير؟

لا خلاف حول كون المشروع نجح في تشخيص وتشريح الواقع، ووضع الأصبع على مكامن الداء وكان ذلك جزءا من المهمة الموكولة للجنة المشرفة على إعداد هذا المشروع ( وتتمثــل المهمــة الموكولــة إلــى اللجنــة، ذات الطابــع الاستشــاري، فــي تشــخيص الوضعيــة الراهنــة للتنميــة بالمملكـة، بصراحـة وموضوعيـة،) لكن أمل المغاربة ظل معقوداً على الجزء الآخر من مهام اللجنة وهو ( رسـم معالـم نمـوذج تنمـوي جديـد قصـد الدفـع ببالدنـا “للتوجـه بـكل ثقـة نحـو المسـتقبل) لأن تشخيص الواقع لن يجدي شيئا، ما لم يتم تقديم حلول واقتراحات لتجاوز معيقات التنمية، خاصة وأن المغاربة مقتنعون بأن بلدهم تمتلك من المؤهلات ما يجعلها في وضع أحسن ورد في التقرير (وبالنظــر للمؤهــلات التـي يمتلكهـا سـواء مـن حيـث تاريخـه ونسـائه ورجالـه وشـبابه وثرواتـه الطبيعيـة ورصيـده الثقافـي الغنـي والمتنـوع وكـذا موقعـه الجيوسـتراتيجي فـي ملتقـى القـارات، تسـود القناعـة لـدى جميـع الفاعليـن بـأن المغرب لـه مـن الطاقـات مـا يؤهلـه ليكـون بلـدا أكثـر نمـاء.)

قبل إصدار المشروع كان المثقفون يلخصون أزمة المغرب في أزمة ثقافة أولا، لقناعتهم أن الثقافة قادرة على التأثير في الاقتصاد وفي المجتمع والسياسة والعكس غير صحيح، وأن الثقافة وحدها قادرة على تخليق الحياة العامة، والتخفيف من أزمة القيم… وفي التقرير إشارات تؤكد بعض ذلك، ما دامت بعض الجمل تحدد الأزمة في:

  • (ظلثقافة سائدةلاتعترفبالحقفيالخطأ.) ص21.
  • (سـيادة ثقافـة الامتثـال داخـل الإدارة، بـدل ثقافـة الريـادة وحسـن الأداء، تولـد الإحبـاط ولا تشـجع علـى المبـادرة ص31 ناهيك عن (ضعفثقافةتقييمالسياساتالعمومية) ص 32
  • (الاهتمـام الكبيـر الـذي ينبغـي إيـلاؤه للثقافـة ولتثميـن المؤهـلات الترابيـة وإصلاح شـبكات الأمـان الاجتماعـي ) ص27.
  • قيام القطاع الخاص على (ثقافةتدبيرية لاتشجعإلاقليلاعلىالمجازفةومناخللأعمالقليل الملاءمة ص 73

لقد لخص التقرير انتظارات المواطنين في أربعة مجالات هي (التعليموالصحةوالنقل وفرصلتنميةالقدراتالشخصيةخاصةبواسطةالثقافةوالرياضة) ص 35، وهي انتظارات لا يمكن تحقيقها مع أغفال الاهتمام بالجانب الثقافي، خاصة وأن مطالب الشباب المستجوب كانت واضحة وترى أن لا ديموقراطية ولا بناء المجتمع ولا عيش مشترك دون الاهتمام بالجانب الثقافي ورد في تشخيص الواقع (فيمجالالثقافة،تطالبالفئاتالشابة،بشكلخاص،بتثمينومضاعفةالفضاءاتالمخصصة للتعبيرالثقافيوالفنيوالبنياتالتحتيةوالأنشطةالرياضية. وتعتبرالثقافةالمتاحةللجميعليس فحسبمصدرالتنميةقدراتالفرد،بلأيضاشرطاضروريالبناءمجتمعديمقراطيوعيشمشترك متناغميتناسبمعثراءالمغربوتنوعهالثقافي. كماأكدالمقاولونفيالمجالالثقافيالذينتم الإنصاتإليهمعلىأنالثقافةيمكنأنتصبحقطاعامهمالخلقفرصالشغلوالثروة. ص36 كما بين التقرير أنه (يجبأنيغطيهذاالبرنامجمجموعالمطالبالتي عبرعنهاالشباب،منثقافةوفنونورياضةوترفيهوإدماجسوسيواقتصاديومشاركةمواطنة ومساندةاجتماعية. 109….

إن التقرير إذن كان واعيا بأهمية الجانب الثقافي لكنه اكتفي ضمن الاختيارالاستراتيجيالثالث :بالإشارة إلى (النهوضبالتنوعالثقافيكرافعةللانفتاح،للحواروللتماسك إنالثقافةمدعوةإلىأنتغدورهاناعالميابالغالأهميةفيمجالالصعودالاقتصاديوالسيادة،وذلك بحكمالحاجةالمتجددةوالكونيةإلىالمعنىوإلىالتماسكالاجتماعي،وبحكمالتحدياتالعالميةالتي تجعلمنالضروريتثمينالعناصرالناعمةوالمحتوىوالجودة. 110 ، كما كان واعيا بالتنوع الثقافي في المغرب كمصدر قوة (ويعتبرالمغرببلداغنيابتنوعهالثقافيوعمقهالتاريخيوتراثهالماديواللامادي. وفيهذاالسياق، يجبأنتصبحالثقافةبالمغربرافعةمتعددةالأبعادللرخاءالاقتصاديوللرابطالاجتماعيالمتماسك وللقوةالناعمةفيالمجالالجيوسياسي: إنهرهانللوحدةالوطنيةفيعلاقةمعالطلبعلىالمعنى وعلىالمعالمالتاريخيةوالهوياتية؛كماتشكلالثقافةأيضامورداللنمووالاستثماروالتشغيلأكثرقربا منالمجالاتالترابيةوالحاجياتالمحلية؛ويمثلالعمق التاريخيللمغربميزةيتعيناستغلالهاكرافعة للاستقرارعلىالمستوىالاقليميوالإشعاعالثقافيوالتعايش. 110

لكن التقرير وإن أجاد في أجاد في وصف ما هو كائن، ورصد بعض ما ينبغي أن يكون فقد ظلت المخرجات أقرب إلى شعارات ومطالب ثقافية دون أن يحدد سبل الأجرأة ولا الميزانيات المرصودة، ولا دور المثقف… فكان من تلك التوصيات على سبيل التمثيل:

  • ويتطلبانسجام العملبينالوزاراتتغييرالثقافةالسياسيةالحالية60.
  • تنبثقمنالمحاورالأربعللتحولالمشارإليهاأعاه،مجموعةمنالأولوياتالاستراتيجية،منبينها أولوياتجديدةتشكلقطيعةمعالوضعالراهن،منقبيلالمكانةالمركزيةللثقافة. ص69
  • أهمية الثقافة في إضفاءشفافيةأكبر علىالفعلالعمومي. ص50
  • (الاعتـراف بالتنـوع الثقافـي ومأسسـته) وتكريـس اللغـة والثقافـة الأمازيغيتيـن(. ص 23
  • ومنالضروريأيضاتعزيزتثمينالتراثالثقافيوالموسيقي والتاريخيوالطبيعيفيجميعالمجالاتالترابية. ويستدعيتطويرمثلهذاالعرض،ضمنمقاربة منظوماتية،التنسيقالوثيقبينالجهاتالفاعلةفيقطاعالسياحةوالقطاعاتالمرتبطةبها،مثل الصناعةالتقليديةوالثقافة،سواءعلىصعيدالسياساتالعموميةالوطنيةأوعلىالصعيدالمحلي.) ص76
  • تثمينالرأسمالاللاماديوتشجيعالبحثوالابتكارفيكلالقطاعات،سواءفيميدانالاقتصاد أوفيميدانالتعليمالعاليوالبحثالعلميأوفيمجالالثقافة. ص70
  • ويستدعيتطويرمثلهذاالعرض،ضمنمقاربة منظوماتية،التنسيقالوثيقبينالجهاتالفاعلةفيقطاعالسياحةوالقطاعاتالمرتبطةبها،مثل الصناعةالتقليديةوالثقافة، ص76
  • يجبكذلكهيكلة هذاالحقلالثقافيحولمقترحمركزيقوييجعلمنالثقافةمرفقاعامامهما،بنفسأهميةالصحة والتعليم. 110
  • فإنوسائلالإعلامالعمومية،علىالخصوص،مطالبةبأنتضطلعبمهمة رئيسيةتُجاهالمواطنينالمغاربةتتجلىفي الإعلام،وتنشيطالنقاشالعمومي،تعزيزالرابطالاجتماعي والنهوضبالتاريخوالثقافةالوطنيين. 110
  • إدماجقويللثقافةفيالمنظومةالتربوية.
  • إنشاءوتنشيطفضاءاتثقافيةفيمختلفالمناطق.
  • دعمدورالإعامباعتبارهأداةللإخباروالنقاشالعامومواكبةمسارتحولهالرقمي
  • تشجيعتطويرمبادراتثقافيةمبدعة(إبداعمادةثقافيةوإعلامية،تنشيطالفضاءات،الصناعات الثقافية،إلخ.( منخالاحترافيةالمسالكالثقافية،
  • دعموتنشيطإنتاجثقافيوإعلاميمبتكريتسمبالجودةويساهمفيإغناءالحوار والتحسيسوالإشعاعالدوليللمغرب. وتقترحاللجنةفيهذاالصددوضععلامةميزة لفائدةالفاعلينوالمبادراتالثقافيةوالإعلاميةودعمالانخراطالواسعللفعالياتفيهذا المجال،
  • إنشاءوتنشيطفضاءاتثقافيةفيمختلفالمناطق. يجبإعادةتثمينهذهالفضاءات وتنشيطهامنطرفالمجتمعالمدني المحليوفقأهدافتتمثلفيتثمينالتراثالثقافيالمحلي والتحسيسبالنقاشوتعزيزهودعمالفاعلينالثقافيينوالفنيينالمحليينوتلقينمبادئالممارسة….
  • ضمانالمحافظةعلىالموروثالوطنيوالذاكرةالجماعيةوتثمينهماوتعزيزإشعاع التاريخوالثقافةالمغربيةعلىالمستوىالدولي الفنيةأوالتكوينفيها
  • التذبير المفوض يمكنلبعضالمجالاتذاتالأولويةضمنالنموذجالتنمويالجديدأن تستفيدمنمساهمةالاقتصادالاجتماعيمنخالالتدبيرالمفوضلبعضالخدماتالعمومية،خصوصا فيمجال
  • الصحةوالمساعدةالاجتماعيةوالتعليموالطفولةوالثقافةوالاقتصادالدائريوالإدماجالمهني. ص 89

 

يستنتج إذن أن الثقافة وإن كانت حاضرة في ثنايا هذا المشروع التنموي، فإنه ظلت مشتتة ولم تحدد ضمن الاستراتيجيات الكبرى، ولم تدرج ضمن رافعات التغيير، وأن كل التوصيات ستظل مثل شعاراتت لا يمكن أن يتلمس المغرب إليها طريقا دون مدرسة تضطلع ب (إشعاع قيمالمواطنة،عبرترسيخثقافةالمنفعةالمشتركةوإيلاءالأولويةللصالحالعاموتحفيزالمشاركة الوطنيةمنأجلتوطيدروحالانتماءوالتشبثبثوابتالأمة.ص،95   خاصة وأن أزمة المغرب (ليســت مجــرد أزمــة عابــرة،) ص9.  وإلا سنجد أنفسنا نبحث عن مشروع ثقافي مستقل ….

وتبقى أسئلة كثيرة معلقة من قبيل من هي الجهة المخول لها السهر على تنزيل هذا المشروع بعد أنهاء اللجنة الخاصة لعملها؟  ألا يكون مصير هذا المشروع مثل مصير الكثير من التقارير السابقة آخرها تقرير الخمسينية (المغرب الممكن)؟

 

يتبع …..

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الأخبار العاجلة