وثيقة المطالبة بالاستقلال .. نقطة تحوّل في مقاومة المستعمر

أسفي كود10 يناير 2023آخر تحديث : الثلاثاء 10 يناير 2023 - 12:28 مساءً
أسفي كود
زوومفي الواجهة
وثيقة المطالبة بالاستقلال .. نقطة تحوّل في مقاومة المستعمر
يخلد الشعب المغربي، الأربعاء 11 يناير 2023، الذكرى الـ79 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وتُعد هذه المناسبة البارزة فرصة لاسترجاع تفاصيل هذا الحدث المحوري في تاريخ المملكة واستحضار دلالاته وأبعاده الوطنية في إبراز قوة التحام العرش والشعب خلال فترة زمنية حاسمة في طريق التحرّر من الاستعمار.

يقول محمد حواش، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، إن “أجواء الحرب العالمية الثانية شكلت بيئة مناسبة لبلورة وإنضاج مواقف سياسية متطورة في مسار الحركة الوطنية المغربية. فقد شهدت هذه الفترة المتميزة، بفعل المتغيرات النوعية التي طرأت على الساحتين الوطنية والإقليمية، انقلابا لافتا للانتباه في استراتيجية التحرير الوطني؛ حيث انتقلت من مطلب الإصلاحات كمدخل للاستقلال إلى مطلب الاستقلال كمدخل للإصلاحات”.

وأوضح حواش، في بحث بعنوان “وثائق المطالبة بالاستقلال المنسية”، أن “تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير من سنة 1944 قد شكل الترجمة العملية الأبرز لهذا التحول النوعي في استراتيجية التحرير الوطني. ولهذا الاعتبار اعتمدت هذه الوثيقة، عبر التاريخ الذي قدمت فيه، ذكرى وطنية يحتفي بها سنويا في مجموع التراب المغربي”.

وتم وضع وثيقة المطالبة بالاستقلال باتفاق مع جلالة الملك محمد الخامس الذي عرف خبرها ومضمونها من لدن قادة حزب الاستقلال، قبل أن يقدمها لممثل السلطات الاستعمارية في 11 يناير 1944، حيث شكلت هذه الوثيقة في سياقها التاريخي والظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية عكست وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل على قدرتهم وإرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم وعدم رضوخهم لإرادة المستعمر.

محاربة الاستعمار توحّد المغاربة

عانى الشعب المغربي من عدوان المحتل الأجنبي الذي جثم على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ توزعت بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب، والحماية الإسبانية بالشمال، والوضع الاستعماري بالأقاليم الجنوبية، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي.

ولم يتقبل المغاربة هذا الوضع المتسم بالتجزئة والتفتيت والتقسيم للتراب الوطني، حيث تم اللجوء للمقاومة، ليتم في سبيلها بدل جسيم التضحيات في سياق كفاح متواصل طويل الأمد ومتعدد الأشكال والصيغ لتحقيق الحرية والخلاص من نير المستعمر في تعدد ألوانه وصوره.

وتنوعت أشكال الكفاح ضد المستعمر، بين الانتفاضات الشعبية وخوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب، إلى مراحل النضال السياسي كمناهظة ما سمي بالظهير الاستعماري التمييزي في 16 ماي 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936، فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944.

من مطالب الإصلاح إلى الحق في الاستقلال

تواصلت مسيرة الكفاح الوطني، بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، الذي اغتنم فرصة انعقاد مؤتمر آنفا التاريخي في شهر يناير 1943 لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء نظام الحماية، مذكرا بالجهود والمساعي الحثيثة التي بذلها المغرب من أجل مساندة الحلفاء في حربهم ضد النازية وفي سبيل تحرير أوروبا من الغزو النازي، وهذا ما أيده الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلن روزفلت، الذي اعتبر أن طموح المغرب لنيل استقلاله واستعادة حريته طموح معقول ومشروع.

وانسجاما مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، حدث تحول نوعي في طبيعة ومضامين المطالب المغربية بحيث انتقلت من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال.

هذه المتطورات كان لها أثر بالغ على مسار العلاقات بين سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية وبين الحركة الوطنية التي كان بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه رائدا لها وموجها وملهما لمسارها بإيمان عميق وعزيمة راسخة وثبات على المبادئ والخيارات الوطنية.

تقديم الوثيقة

تكثفت الاتصالات واللقاءات بين القصر الملكي والزعماء والقادة الوطنيين من طلائع الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وبرزت في الأفق فكرة تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بإيحاء من جلالة المغفور له محمد الخامس، ثم شرع الوطنيون في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم مع جلالته وتوافق على مضمونها.

وثيقة المطالبة بالاستقلال
وثيقة المطالبة بالاستقلال

فكان طيب الله مثواه يشير عليهم بما تمليه حنكته السياسية من أفكار وتوجهات كفيلة بإغناء الوثيقة التاريخية والحرص على تمثيلها لكافة الفئات والشرائح الاجتماعية وأطياف المشهد السياسي في البلاد، حيث تم تقديمها بعد صياغتها النهائية إلى الإقامة العامة، فيما سلمت نسخ منها للقنصليات العامة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، كما أرسلت نسخة منها إلى ممثلية الاتحاد السوفياتي آنذاك.

وتضمنت وثيقة المطالبة بالاستقلال جملة من المطالب السياسية والمهام النضالية، تمثلت في شقين؛ الأول يتعلق بالسياسة العامة وما يهم استقلال المغرب تحت قيادة السلطان سيدي محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي (الأطلسي) والمشاركة في مؤتمر الصلح، أما الثاني فيخص السياسة الداخلية عبر الرعاية الملكية لحركة الإصلاح وإحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالشرق تحفظ فيه حقوق وواجبات كافة فئات وشرائح الشعب المغربي.

المصدرمراد كراخي

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الأخبار العاجلة